السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد رسوبي في مادتين، في السنة الثانية من الجامعة، فقدت الرغبة في إتمام الدراسة، إضافة أن عندي عقدة، فعمري 21 سنة، وأقول: أنا كبرت عن الدراسة وأستحي بأن أذهب للجامعة، وعند رسوبي قلت: إني لا أستطيع أن أدرس إلى سن 23 لأني سأعيد.
أرجو إفادتي هل أنا معقدة أم ماذا؟! ومنذ زمن طويل أحس أني أظهر كبيرة في السن، وهذا يرجع لبعض المعلِّقين - سامحهم الله - فغالبا ما أسمع عبارة'' تبدين أكبر من سنك'' فأنا أحس أني فاشلة.
ولكم جزيل الشكر.
الجـــواب بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنك قد أشرت إلى أمور تؤثر على نفسك إشارة واضحة، وبعبارات صريحة تدل على طبيعة المعاناة التي تعانينها الآن، فأنت الآن تشعرين بنوع من الإحباط ليس باليسير، خاصة بعد حصول التأخر في مادتين في السنة الثانية، فتشعرين بالإحراج أمام صديقاتك وزميلاتك، وبالإحراج أمام معلماتك، وبالإحراج أيضًا أمام أسرتك، فأنت لا تريدين أن تكوني متأخرة في نظرهم، وتحبين أن تكوني في الموقع السليم العالي الذي يبهج قلب أهلك، ويبهج نفس معلماتك أيضًا، ويرفع رأسك أمام صديقاتك وزميلاتك، ولا يجعلك تشعرين بأنك مكسورة الخاطر أمامهنَّ، فهذا الأمر له وزنه وله تقديره وإنك لمعذورة فيه، وستأتي الإشارة إلى كيفية علاجه - بإذن الله عز وجل – وكذلك يؤثر في نفسك كلمات قد سمعتها ووقعت في آذانك، ثم رسخت في قلبك فأحدثت جرحًا فيه، إنها تلك العبارة التي يقال لك فيها: (إنك تبدين أكثر من سنك)، فهذا قد أشعرك بالحرج وأشعرك وكأنك بين صاحباتٍ وزميلات، وتظهرين وكأنك أختهنَّ الكبيرة، وكأنك لا تعيشين مع جيلك الذي ينبغي أن تكونين فيه، سواء كان ذلك في محيطك الدراسي أو محيط صاحباتك وصديقاتك، فهذان الأمران لهما أثرهما البالغ في نفسك.
ولننتقل إلى الأمر الأول وهو أمر الدراسة:
فأنت تعلمين - يا أختي - أن الإنسان قد يحصل له أن يُخفق في بعض الأوقات، ولكن ألم تسمعي يومًا عن تلك النملة التي أرادت أن تصعد الجدار وكان هنالك رجلٌ يشعر بالألم والإحباط الشديد بسبب عدم قدرته على تحقيق مقاصده ومصالحه، فنظر إليها فإذا بها تصعد وتمشي الهوينة، وتتدرج في الصعود على الجدار ثم تسقط على الأرض، ثم تعود فتصعد ثم تسقط، ثم تتقدم وتبذل جهدها ثم تسقط، حتى استطاعت أن تصل في آخر الأمر إلى أعلى الجدار، فاستفاد من ذلك وأخذ العظة البالغة، وقال لقد أخذ درسًا من مثابرة هذه النملة ومن عزيمتها الماضية، فاستفاد من هذا الموقف، وحصل بعد ذلك مبتغاه - بمنِّ الله وكرمه - بعد أن شد من عزمه وأخذ بالجد والاجتهاد والمثابرة.
وإن هذا المثال لجدير بالتأمل.. نعم - يا أختي - فليس أمامك إلا أن تبذلي جهدك، بأن تكرري المحاولة، فلئن أخفقت في هذا الوقت أو في السنة برمتها فأنت قادرة على أن تحققي - بإذنِ الله - في السنة التي بعدها النتائج الأفضل، وأن تكوني في زيادة من خير إلى خير، فهذا أمر ينبغي أن تحرصي عليه، وينبغي أن يظل دومًا في نفسك الألم المقرون بالعزيمة، فليس الأمل فقط هو المطلوب، بل المطلوب أيضًا أن يكون مقارنًا لعزيمة ماضية تجعله يظهر على صورة عملٍ واقعي له ثمراته وله نتائجه، وهذا القدر كافٍ في تصحيح النظرة تجاه هذا الأمر، وأنت لا تحتاجين إلى أكثر من هذا.
نعم قد يقع في نفسك شيء من الإحراج الذي وصفناه، ولكن لا بد من تجاوز ذلك وعدم الالتفات إليه، وبذل الوسع في أن تصلي إلى مرادك؛ ولذلك أحسن من قال:
أخْلِقْ بذي الصبر أن يحظى بحاجته *** ومدمِنُ القرع للأبواب أن يلجا
فهذا بيت لطيف المعنى يقول صاحبه: جدير لمن صبر وثابر أن ينال حاجته وأن يحصلها، ومن أدام قرع الأبواب واتبع الأسباب الموصلة فلابد أن يدخل ولابد أن يحصل مقصوده.
فاعرفي ذلك - يا أختي - وقد قال الله جل وعلا وهو أصدق القائلين: { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}. وقال - صلوات الله وسلامه عليه - : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في كلٍّ خيرٍ احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) أخرجه مسلم في صحيحه.
وأما عن الأمر الثاني: وهو تلك الكلمات التي أصابتك بحرج في نفسك، وهي العبارة التي يقولون لك فيها: (إن مظهرك أكبر من سنك)، فالجواب - يا أختي - أن تعلمي أن هذا في الحقيقة مدح وليس بذم لو أنك تأملت فيه. فإن قلت: فكيف ذلك وهو يجرحني ويؤثر في نفسي؟ فالجواب: إنه دليل على رزانتك، ودليل على اتزانك ودليل على أنك - بحمدِ الله - صاحبة خلق عالٍ، وأنك تظهرين بمظهر المتزن الذي يعرف ما يقول والذي ينزل الأمور منازلها، فظهور العقل وبدوه للناس يشعرهم بأن الذي يكلمونه هو أكبر من عمره، فهذا في الحقيقة مدح وليس بذم لو أنك تأملت وتمعنت، وكم من إنسان نابغ صاحب معرفة وصاحب دراية في الأمور قيل له إنك تبدو أكثر من سنك، فإذا خلا بنفسه خر ساجدًا لله شاكرًا على هذه النعمة التي منَّ الله عليها بها، وهذه عبارة لها دلالتها، فلا ينبغي أن تحمليها على المحمل البعيد، على أن الأمر يعود على الشكل – أي الصورة – ولكن إذا ظهرت الأخلاق التي تدل على العقل والفهم حصل هذا الشعور، ووقع في نفس من يحدثك من صاحباتك وأخواتك، فعبروا عن هذه المعاني بهذه العبارة.
فاعرفي ذلك يا أختي فإنه نافع لك، واخرجي من هذه الأفكار إلى العطاء والبذل، فأمامك أن تكوني حافظة لكتاب الله عز وجل، إننا نريدك أن تكوني تلك الفتاة المؤمنة الداعية إلى رضوان الله عز وجل، إن أمامك أن تكوني معلمة تحصلين العلوم الشرعية، لتكوني ممن قال الله تعالى فيهم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}.
فهذا هو طريقك، إنه طريق البذل والعطاء وليس الأمر مقتصرًا على بعض الجوانب الدراسية، فلتنطلقي إذن إلى مصالح دينك ودنياك، وشمري عن ساعديك فإنك - بحمدِ الله - جديرة بذلك.
ونسأل اللهَ عز وجل أن يزيدك من فضله، وأن يفتح عليك من بركاته ورحماته، وأن يجعلك من الداعيات إلى رضوانه وأن يرزقك الزوج الصالح والذرية الطيبة وأن يجعلك مربية للأجيال، وعليك بمواصلة الكتابة إلى الشبكة الإسلامية أولاً بأول، وأهلاً وسهلاً بك ومرحبًا.
وبالله التوفيق.